22 (1)
22 (1)
روضة الصائم

زاوية لغوية :نوع التنوين في «غواشٍ» «1»

20 أبريل 2021
20 أبريل 2021

يقدمها :د.إسماعيل العوفي -

اختلف النحاة في تنوين (غواشٍ) على ثلاثة آراء:

الرأي الأول: التنوين في (غواشٍ) تنوين عوضٍ عن الياء، وظاهر كلام سيبويه (ت:180هـ) أن الياء محذوفة لالتقاء الساكنين (الياء والتنوين)، فقال: «اعلم أن كل شيءٍ كانت لامه ياءً أو واوًا، ثم كان قبل الياء والواو حرفٌ مكسورٌ أو مضمومٌ؛ فإنها تعتل وتحذف في حال التنوين، واوًا كانت أو ياءً، وتلزمها كسرة قبلها أبدا»، وقد نص على أن التنوين عوِّض عن الياء المحذوفة: «واعلم أن كل شيء من بنات الياء والواو كان على الصفة فإنّه ينصرف في حال الجر والرفع، وذلك أنَّهم حذفوا الياء فخفّ عليهم، فصار التنوين عوضًا»، وهذا الرأي هو رأي المبرد (ت:285هـ)، والذي نقله عنه الأشموني والصبان أن التنوين في باب (غواشٍ) عوضٌ عن الحركة.

وظاهر كلام سيبويه أن صرفها (أي: تنوينها) خفت بسبب حذف الياء، قال: «واعلم أن كل شيء من بنات الياء والواو كانت على الصفة فإنه ينصرف في حال الجر والرفع وذلك أنهم حذفوا الياء فخف عليهم فصار التنوين عوضا».

وهذا الكلام لا يخلو من نظر؛ فظاهر كلام سيبويه في النص الأول أن حذف الياء وقع عند حدوث التنوين، فحُذفت الياء لالتقاء الساكنين، وهو كلام مشكل؛ لأن هذا البناء لا ينون أصلا؛ لكونه ممنوعا من الصرف، وظاهر كلامه في النص الثاني أن التنوين حصل بعد حذف الياء؛ لأن الكلمة خفت بعد حذف لامها، ولم يظهر لي جمع بين النصين، بل ظهر لي تناقضهما؛ لأن التنوين حاصل قبل حذف الياء، ولأجل التقاء الياء به حذفت، فكيف يكون التنوين حاصلا بسبب وجود الخفة بسبب حذف الياء.

الرأي الثاني: التنوين في (غواشٍ) عوضٌ عن الحركة، والأصل عندهم (غواشيُ)، فحذفت الضمة تخفيفًا، وعوِّض عنها التنوين؛ فالتقى ساكنان (التنوين والياء)، فحذفت الياء؛ لأنها حرف علَّة، ويعترض على هذا بأمرين:

الأول: المنقوص من الأسماء لا تظهر عليه الضمة والكسرة على الكثير من كلام العرب، والشواهد التي وردت بخلاف ذلك قليلةٌ حملها بعضهم على الضرورة فكيف يحذف الشيء استثقالا، ويعوض عنه.

ثانيا: التعويض عن حركة غير معهود؛ فعند النحاة تعويضٌ عن حرف، وتعويضٌ عن كلمة، وتعويضٌ عن جملة؛ وعليه فالمختار عدم صحة الرأي الذي يقول: إن تنوين (غواش) عوضٌ عن حركة، وما نسبه الأشموني والصبان إلى المبرد من القول بأن تنوين (غواشٍ) تنوين عوضٍ عن حركة يخالف ما ذكره المبرد في المقتضب، قال في المقتضب: «فإنما انصرف باب (جوارٍ) في الرفع والخفض؛ لأنه أنقص من باب (ضوارب) في هذين الموضعين وكذلك قاضٍ؛ فاعلم لو سميت به امرأة لانصرفت في الرفع والخفض؛ لأن التنوين يدخل عوضًا مما حذف منه»، ومن المعلوم أن المحذوف الياء، ويدل عليه قوله: «أنقص من ضوارب»، وقد نص أن التنوين يدخل عوضًا مما حذف منه، والمحذوف هو الياء.

الرأي الثالث: التنوين في (غواشٍ) تنوين صرف أي: تمكين؛ وعليه فإن كلمة (غواش)، وما كان على صفتها ليست ممنوعة من الصرف؛ فتنوين (غواش) كتنوين قاضٍ وسارٍ، وقد يدل على هذا الوجه أنهم لم يجرُّوا (جوارٍ وغواشٍ) بالفتحة مع أنهم ينصبونها بالفتحة؛ فدل ذلك على أنها ليست ممنوعةً من الصرف، وأن حكمها حكم قاضٍ وسارٍ، والذي يظهر لي أنه لا تلازم بين جعل تنوين (غواشٍ) تنوين عوضٍ وعدم منعها من الصرف «كما سيأتي»، حالها في ذلك حال قاضٍ وسارٍ.

والذي يظهر لي بناء على الاعتراض الذي اعترضت به على نصّي الكتاب، والاعتراضين اللذين اعترضتُ بهما على الرأي الثاني أن هذا التنوين ليس عوضا عن شيء لا عن حركة ولا عن حرف، بل هو وجه للعرب في النطق بالمنكر المنقوص حال وصل الكلام أرادوا به طلب الخفة في النطق، وهو وجه في النطق غير لازم، ولكنه الكثير في الكلام، فيصح (هذا جواري قد جاء) و(مررت بجواري قبلُ)، ويصح (هذا جوارٍ قد جاء) و(مررت بجوارٍ قبل)، ومن ذلك قول الشاعر في إثبات الياء وصلا:

أبيتُ على مَعارِيْ واضحاتٍ

بهنَّ ملوَّبٌ كدِمِ العِباطِ

يتبع...